قصة تربوي من شهداء الجوع بصنعاء

عدنان عبدالله طمح الصعفاني، أبن بلادي حراز، في ثنايا الخمسينات من عمره، معلم وتربوي وأستاذ يمني، وأب لخمس بنات وولدين، وواحد من ملايين اليمنيين المنقطعين عن رواتبهم وحياتهم، وأحد المتزاحمين بطوابير التدافع اليمني في سبيل الحياة. للحصول على فتات الصدقات بعد أن تغيرت ملامحهم ووجوههم، وشابت رؤوسهم وعقولهم، كواحد من موظفي الدولة المتروكين، موظفين شاخوا كثيرًا، وعجزوا عن فعل أيّ شيء لأنفسهم وأبناءهم في أعظم فترات حياتهم عجزًا وقهرا، لم يكونوا قط يتخيلون هذا المصير في سنوات عطائهم ورواتبهم، كانوا يثقون بانتماءاتهم للدولة، ووظائفهم المرموقة بمؤسساتها، لكنهم وقعوا في فخ الإنهيار العام، والإنعدام التام لكل شيء في هذه الدولة، وصارت قناعاتهم تلك عن سنواتهم القادمة والعاطلة كالسراب، فلا رواتب معهم، ولا وظائف حقيقية لحياتهم، ولا مدخرات قديمة تحمي عجزهم وحاجتهم، ولا شيء من عطاء الدنيا وتقديراتها.

لهذا ذهبوا يواجهون مصيرهم بنوع من الصبر والتصبر، بينما ينتظرون صدقات الأخرين وفاعلي الخير، وحين تأتي يذهبون للحصول عليها بقلوبهم وأرواحهم، ولأجلها يجلسون عند بوابات المباني والمؤسسات، تحت أشعة الشمس حتى تصل، وبجوار بعضهم يتحدثون عن سنواتهم في زمن العطاء والدولة، حتى يحصلون على ما جاؤوا له، لكنهم لم يعلموا قط بأن مصيرهم الأخير سيكون في ثنايا هذا الإنتظار الأليم.

عندما ذهب الأستاذ عدنان عبدالله الصعفاني لأخذ الصدقات. كان يفكر بأبنائه وبناته، يفكر بهم وماذا سيشتري لهم بعد عودته، كان يريد أن يتقمص سعادة العطاء ورعاية الأبناء في فترة العيد، كان يفكر بشراء جعالة العيد وبعض الاحتياجات، تمامًا كما كان يفعل بماضيه في ليالي الأعياد، كان يومها ينتظر الصدقة وفي داخله غصة من نظرة البؤس والشفقة في عيون أهله وأبناءه عليه طيلة أيامه الفائتة، لهذا قرر العودة هذه المرة إلى بيته بيدين تحملان الأكياس والمشتريات، ليثبت لهم بأنه يستطيع شراء السعادة بنفسه وأمواله، لم يكن يعلم بأنه وقع في فخ المصير المعدوم، بعد أن تحولت حياته الى ذكريات وأمنيات، ومجموعة خيالات عن زمن فات ولن يعود أبدًا.

رحمة الله عليه، وعلى موظفي الدولة المساكين، لقد انكسروا جدًا، وتحطمت مقاماتهم أمام أعينهم وحياتهم، وأمامها عجزوا تمامًا عن تقديم أدنى شيء، أو فعل أيّ شيء، أو شراء أرخص الأشياء، ولم يجدوا أمامهم سوى الموت بألم شديد وصور حزينة، لينتهي تفكيرهم وقهرهم ووجعهم وشفقة الأخرين عليهم.

#قصص_ضحايا_التدافع
#صنعاء
ماجد زايد