العثور على بخار ماء على المشتري يُرجَّح أنه أفضل مكان للعثور على "كائنات فضائية"

في دراسة جديدة أعدَّتها وكالة ناسا، تبيَّن تصاعد أبخرة مائية من قمر يوروبا، وهو أحد أقمار كوكب المشترى، مما يرجِّح أنه ربما يكون أفضل مكان للعثور على حياة خارج الأرض.

جاء ذلك الاكتشاف الصادم، الثلاثاء 15 مايو/أيار 2018، عن طريق تحليل جديد لبيانات قديمة جمعتها المركبة غاليليو أثناء مرورها بين الأبخرة المائية المحتملة على ظهر القمر، وأدَّى إلى تأكيد الباحثين أن ذلك القمر هو مرشّح أساسي في عملية البحث عن حياة خارج الأرض، بحسب ما نقلت صحيفة Independent البريطانية.

ولمدّة طويلة، كان يُنظر إلى قمر يوروبا باعتباره مرشّحاً محتملاً لوجود حياة خارج كوكب الأرض في نظامنا الشمسي. إلا أن الوصول إليه كان يبدو مُستحيلاً؛ حيث يُعتقد أن الكوكب مُغطَّى بطبقة كثيفة من الجليد من شأنها عرقلة وصولنا إلى المحيط المائي أسفلها.

هل هناك حياة محتملة على قمر يوروبا؟

ويسهِّل الاكتشاف الجديد كثيراً عملية إيجاد حياة أخرى؛ فتلك الكتل المائية تعني أن العلماء بإمكانهم أخذ عيِّنات من المياه الموجودة على القمر، ما يساعدهم في فهم ما قد يُعثر عليه هناك.

وقد اكتُشِفت الكتلة المائية عندما أدرك العلماء أن الانحناء في المجال المغناطيسي بقمر يوروبا -الذي لاحظته مركبة غاليليو الفضائية التابعة لناسا في عام 1997- ربما قد حدث بسبب نبع ماء حار يتدفّق خلال قشرة القمر المتجمّدة. بحسب ما قال الباحثون الذين أعادوا فحص بيانات غاليليو، الإثنين 14 مايو/أيّار 2018.

هذا، ويقول أحد الباحثين في الفريق، إنه إذا ما اندلع عمود ماء فإن جزيئات بخار الماء والغازات المنبعثة ستتأثر بالمجالات المغناطيسية، وهو ما اكتشفته المركبة الفضائية. وتغيّرت كثافة الجسيمات المشحونة المحيطة بالمركبة الفضائية عندما دخلت المركبة الفضائية، وحلَّقت عبرها، ثم خرجت منها.

وقد نشر البحث الذي قاده عالم الفيزياء في جامعة ميتشيغان، شيانزي جيا، في دورية Nature Astronomy.

فيما قالت الباحثة بعلوم الكواكب من مختبر جامعة هوبكنز للفيزياء التطبيقية، إليزابيث ترتل:: "نحن نعلم أن يوروبا لديه الكثير من المكوّنات الضرورية للحياة، وبالتأكيد أعني الحياة التي نعرفها؛ فهناك ماء، وطاقة، وكميّة من مادّة الكربون، ولكن قدرة القمر على إيواء كائنات حية هو أحد الأسئلة الكبرى التي نريد فهمها".
 

المركبة غاليليو مرَّت بين الأبخرة المائية

وكانت المركبة غاليليو تمرَّ على ارتفاع 200 كيلومتراً من سطح قمر يوروبا عندما مرَّت على ما يبدو بين الأبخرة المائية.

وأضافت ترتل في بيان لوكالة ناسا، "إن أحد الأشياء المثيرة حقّاً في اكتشاف الأبخرة المائية، هو أنه يعني احتمالية وجود طريقة لخروج مواد من المحيط –الذي من المرجّح أن يكون أكثر الأجزاء المأهولة بسبب دفئه وحمايته من البيئة الإشعاعية الناجمة عن القشرة الجليدية للقمر- خارج القشرة. ويعني ذلك أننا سنكون قادرين على أخذ عيّنة منه".

وتابع البيان، "نحن لا نعرف بالضبط مدى سمك قشرة أوروبا السميكة أو عمق محيطها تحت السطح". وقد أظهرت دراسة أجريت في عام 2011، أن هناك مواقع قد تكون المياه فيها قريبة نسبياً من السطح في البحيرات الكبرى، بالقرب من مناطق "الفوضى" المتجمّدة، التي تشبه بعض الهياكل القطبية على الأرض.
 

دلائل قديمة تدعم الاكتشاف الجديد

وتدعم تلك النتائج دلائل أخرى على وجود ينابيع من قمر يوروبا، الذي يحتوي محيطه المائي على ضعف حجم المياه الموجودة بمحيطات الأرض كلها. ففي عام 2012، جمع تلسكوب هابل الفضائي التابع لناسا بيانات فوق بنفسجية توحي بوجود عمود أبخرة مائية.

ومن المحتمل أن تحصل ناسا على نظرة عن قرب من مركبة فضائية جديدة خلال مهمتها الاستكشافية، التي تُدعى "يوروبا كليبر"، التي يمكن أن تبدأ مهمتها، في يونيو/حزيران 2022، وهو ما من شأنه توفير فرصة محتملة لأخذ عينات من الأبخرة، من أجل الاستدلال على علامات الحياة، والتي ربما تكون ميكروبية بالمحيط المائي للقمر.

فيما تقول سينثيا فيليبس من مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا: "من غير المحتمل أن يقوم أحد أعمدة البخار بطرح سمكة في الفضاء فتصطدم بيوروبا كليبر". لكن -تضيف فيليبس- "من المرجح أن تأتي العينات من جيوب سائلة أقرب إلى السطح، لذلك لا عينات أرضية بالمجان، بل عينات مجانية تحت سطح الأرض"، حسب ما نقلته مجلة National Geographic العلمية.

ويكمن محيط القمر يوروبا، الذي يقل حجمه عن قمر الأرض، تحت طبقة جليدية تتراوح سماكتها من 10 إلى 15 ميلاً (15 إلى 25 كيلومتراً)، ويقدر عمقه بين 40 إلى 100 ميل (60 إلى 150 كيلومتراً).

هل يبصق يوروبا الماء إلى الفضاء، كما يفعل قمر زحل إنسيلادوس؟

يشار إلى أن يوروبا يعد بين المرشحين الرئيسيين لوجود حياة خارج الأرض في نظامنا الشمسي. ولكنه ليس الوحيد؛ فعلى سبيل المثال، أخذت مركبة كاسيني الفضائية التابعة لناسا عينات من أبخرة صادرة عن القمر إنسيلادوس –وهو قمر لكوكب زحل يحمل محيطاً مائياً- وتبيَّن احتواء الأبخرة على الهيدروجين من الفتحات الحرارية المائية، وهي بيئة ربما يُعزى لها الفضل في الحياة على الأرض.

وفي أواخر العام 2013، كشفت صور محيرة من تلسكوب هابل الفضائي عن أعمدة من بخار الماء، يبلغ ارتفاعها نحو 200 كيلومتراً، تندلع من منطقة في نصف الكرة الجنوبي للقمر. في ذلك الوقت كان العلماء متشككين، حيث كانت الأعمدة في حدود قدرة هابل على الرؤية. ولم تكشف ملاحظات المتابعة شيئاً.

لكن في العام 2016، ومرة ​​أخرى في العام 2017، أفاد العلماء أن المزيد من صور هابل تشير إلى وجود عمود، على الرغم من أنه شيء أقل اندفاعاً بشكل كبير من نوافير إنسيلادوس، التي تطير عالياً لدرجة أنها تخلق حلقة حول زحل.

ومع ذلك، فإن أعمدة يوروبا يمكن أن تكون كثيفة بنفس القدر مثل إنسيلادوس، ويمكن رؤيتها بسهولة بواسطة مركبة فضائية تدور حولها.

أربعة أماكن محتملة للحياة خارج الأرض

هذا يعني أن هناك الآن أربعة مواقع محتملة للحياة خارج الأرض في نظامنا الشمسي فقط.

أولاً المريخ، حيث كانت الظروف المناسبة للحياة قبل 3.8 مليار سنة. "وسوف نستكشف ذلك بشكل أكبر مع مركبة ExoMars rover 2020، التي أشارك أيضاً في تطويرها"، كما يقول أندرو كوتس، أستاذ الفيزياء، ونائب مدير (النظام الشمسي) في مختبر Mullard للعلوم الفضائية.

ستكون المركبة قادرة على حفر ما يصل إلى مترين تحت السطح للبحث عن المرقمات الحيوية، فضلاً عن مركبة ناسا المريخ 2020، وأيضاً الطائرة المروحية التي تم الإعلان عنها مؤخراً.

ولكن في "يوروبا" و"إنسيلادوس" يمكن أن يكون هناك بالفعل حياة الآن، يضيف كوتس: "وسوف يساعد أخذ عينات من الأعمدة على الكشف عما إذا كنا على حق، ففي قمر كوكب زحل، وجدنا أيضاً علامات للكيمياء الحيوية المعقدة التي أدت إلى ظهور الحياة على الأرض.

هذا يعني أنه موقع حياة للمستقبل أو ربما توجد بالفعل". بالإضافة أيضاً لقمر Titan حول زحل الذي يحوي ظروفاً مشابهة.

ومع العديد من المرشحين الواعدين لاستضافة الحياة في نظامنا الشمسي، من المثير أن نعتقد أنه قد يكون أمامنا مجرد بضع سنوات حتى نكتشف نوعاً من الحياة الغريبة الميكروبية، في واحد أو أكثر من هذه الأماكن.