المهمشون في مناطق سيطرة الحوثي.. بين المعاناة القاسية والتجنيد القسري للجبهات
تعيش الفئات المهمشة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي وضعاً إنسانياً بالغ الصعوبة، حيث يتقاطع التمييز التاريخي الذي عانت منه هذه الشريحة مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية المعقدة التي فرضتها الحرب. تنتشر مجموعاتهم في أطراف المدن والمناطق المتدهورة خدمياً، ويواجهون أوضاعاً تعكس عقوداً من الحرمان، فغياب الخدمات الأساسية، وضعف البنية التعليمية، وتواضع الرعاية الصحية، كلها عوامل جعلت حياتهم اليومية أشبه بصراع دائم من أجل البقاء.
الفقر كمدخل للاستقطاب والتجنيد
ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية، تحولت هذه الفئة إلى هدف سهل لمليشيات الحوثي التي استغلت هشاشتهم لتغذية جبهاتها بالمقاتلين. تشير شهادات عديدة إلى أن المليشيا تعتمد على سياسة مركبة تقوم على الإغراء المالي البسيط، وتقديم مساعدات غذائية مؤقتة، إلى جانب ممارسة ضغوط مباشرة على بعض الأسر لإجبارها على إرسال أبنائها. ومع غياب الدولة وضعف مؤسسات الرقابة، يجد الطفل والشاب المهمش نفسه أمام خيار واحد هو الذهاب إلى الجبهة، في حين تدفع أسر أخرى أطفالها نتيجة لضيق العيش، دون أن تدرك أنها تقدم أبناءها ليكونوا ضحايا لصراع لا يعرف الرحمة.
سياسة “أحفاد بلال” كغطاء للاستقطاب والتجنيد
لجأت مليشيا الحوثي إلى توظيف خطاب ديني ومذهبي لتبرير استقطاب الفئات المهمشة واستغلال حاجتها، إذ أطلقت عليهم مصطلح “أحفاد بلال” في إحالة إلى الصحابي بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا التوصيف لم يكن تعبيراً عن مساواة أو احترام، بقدر ما كان وسيلة ناعمة لإقناع هذه الفئات بأنها تحظى بمكانة خاصة داخل مشروع الجماعة. سعت المليشيا من خلال هذا الخطاب إلى إظهار نفسها كحامية لحقوقهم، بينما كانت في الواقع تُعدّهم ليكونوا وقوداً لحربها العبثية، مستغلة حساسيتهم الاجتماعية ورغبتهم في الشعور بالانتماء والمكانة. ومع مرور الوقت، تحوّل هذا الشعار إلى غطاء أيديولوجي لتجنيد الآلاف من أبناء هذه الفئات، ممن وجدوا أنفسهم يُقادون إلى الجبهات تحت وعود ومفاهيم زائفة لا تمتّ للواقع بصلة.
أطفال بلا حماية وواقع ينتزع طفولتهم
الأطفال من هذه الفئات يعتبرون الأكثر هشاشة، إذ يتعرضون للاستقطاب في سن مبكرة، ويُزَج بكثير منهم في خطوط القتال الأمامية. إن غياب التعليم وارتفاع معدل الفقر المدقع جعلهم بين أكثر الفئات التي يسهل التأثير عليها، ما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في معدلات تجنيد الأطفال، خصوصاً خلال العامين الأخيرين، في ظل حشود التعبئة التي يفرضها الحوثيون على المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم.
النساء.. معاناة مزدوجة تحت وطأة الحرب
ولا تقل معاناة النساء من الفئات المهمشة قسوة، حيث يتحملن مسؤوليات ثقيلة بعد فقدان المعيل أو إصابته في الجبهات. يواجهن التمييز الاجتماعي، ويعملن في ظروف بالغة الصعوبة، وغالباً ما يفتقرن إلى الرعاية الصحية والحماية القانونية. وفي ظل غياب الدعم الإنساني، تتحول حياتهن إلى عبء يومي لا ينتهي، وتجد الكثير منهن أنفسهن وحيدات في مواجهة الفقر والحصار.
توجيه المساعدات وغياب الدور الحقوقي
تفرض مليشيا الحوثي قيوداً واسعة على عمل المنظمات الإنسانية، وتقوم بتوجيه المساعدات إلى الموالين لها، بينما تترك الفئات المهمشة خارج دائرة الاهتمام. هذا التهميش المتعمد أدى إلى تدهور أوضاعهم بشكل أكبر، وفتح الباب أمام استخدام المساعدات كورقة ضغط لدفع الأسر نحو التجنيد القسري. وفي ظل هذا الوضع، تعجز المنظمات الحقوقية عن الوصول إلى المجتمعات المهمشة أو توثيق الانتهاكات التي تتعرض لها.
خاتمة مفتوحة على مزيد من الألم
تُظهر الوقائع أن الفئات المهمشة أصبحت اليوم إحدى أكثر فئات المجتمع اليمني تضرراً من الحرب. فهي تواجه الفقر والتهميش والتجنيد دون حماية أو صوت ينقل معاناتها، فيما يستمر الصمت الدولي في مفاقمة وضعها. وبينما تنتظر هذه الفئات بصيص أمل ينهي سنوات الاستغلال، يبقى مستقبلها معلقاً بين حرب تمضي دون نهاية، وواقع يزداد قسوة يوماً بعد آخر.