المستشفيات في إب.. واقع صحي مرير بين العجز والاستغلال
في محافظة إب، تتجلى أزمة القطاع الصحي بصورة صادمة، إذ يجد المواطن نفسه بين كماشة مستشفيات حكومية عاجزة عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات، ومستشفيات خاصة تحول الألم البشري إلى سلعة للربح المادي.
شكاوى المواطنين لا تتوقف، فمع كل زيارة لمستشفى حكومي يواجهون نقصاً في الأدوية، وعجزاً في الأجهزة، وغياباً للكوادر الطبية المتخصصة، بينما يجدون في المستشفيات الخاصة أنفسهم أمام فواتير باهظة، وإجراءات مالية مرهقة، وأحياناً تعامل يفتقر لأبسط معاني الرحمة الإنسانية.
يصف بعض الأهالي دخول المريض إلى المستشفيات الخاصة بأنه "دخول زبون يجب إفلاسه"، فيما يرى آخرون أنها تحولت إلى "مصائد قاتلة"، مشيرين إلى أن أغلبها أُنشئ لأغراض ربحية بحتة، دون اكتراث بالمعايير الطبية أو الواجب الإنساني.
فساد حوثي
مصادر طبية ومحلية في محافظة إب تؤكد أن من أبرز أسباب تدني خدمات المستشفيات الحكومية هو فساد مليشيا الحوثي التي تسيطر على القطاع الصحي في المحافظة منذ سنوات، حيث جرى تحويل المستشفيات الحكومية إلى منشآت مغلقة تخدم فقط عناصرها وجرحاها في الجبهات، بينما يُحرم عامة المواطنين من الحصول على الرعاية والعلاج اللازمين.
وأشار أطباء وعاملون في القطاع الصحي إلى أن كثيراً من المرافق العامة تُستخدم اليوم كأقسام علاجية مخصصة للجرحى القادمين من جبهات القتال، في حين تُهمَل الحالات المدنية ويُترك المرضى ينتظرون لساعات أو يُحالون إلى مستشفيات خاصة باهظة الكلفة.
تواطؤ مع المستشفيات الخاصة مقابل المال
ولا يتوقف الفساد عند هذا الحد، إذ تفيد مصادر محلية بأن مليشيا الحوثي تتواطأ مع عدد من المستشفيات الخاصة في إب، وتغضّ الطرف عن تجاوزاتها واستغلالها للمرضى، مقابل مبالغ مالية ضخمة تُدفع بشكل دوري لقيادات مليشيا الحوثي ومسؤوليها في مكتب الصحة.
هذا التواطؤ، وفقاً لشهادات مواطنين، سمح لتلك المستشفيات برفع الأسعار دون رقابة، والتلاعب بفواتير العلاج، وفرض رسوم غير قانونية على المرضى، بينما تستمر المليشيا في تحصيل عائداتها المالية من وراء هذا الاستغلال الممنهج.
ضعف الرقابة وتراجع الدور الرسمي
تتحدث تقارير محلية عن عشرات المستشفيات والمراكز الصحية في المحافظة، إلا أن الأداء الفعلي متواضع، خاصة في المؤسسات الحكومية التي تعاني من نقص في التمويل والمستلزمات الطبية الأساسية، ما جعلها عاجزة عن تلبية احتياجات المواطنين اليومية.
في المقابل، توسّع القطاع الخاص بوتيرة سريعة، في ظل غياب آليات رقابة حقيقية من الجهات المعنية لتحديد الأسعار أو ضمان جودة الخدمات الطبية، الأمر الذي فتح الباب أمام ممارسات وصفها المواطنون بـ«الاستغلال الممنهج».
المرضى بين مطرقة الإهمال وسندان الجشع
تزداد معاناة المرضى يوماً بعد آخر، خصوصاً في ظل الظروف المعيشية الصعبة وتدني مستوى الدخل. بعض الحالات المرضية تضطر لبيع ممتلكاتها أو الاستدانة لتسديد تكاليف العلاج، بينما يفقد آخرون حياتهم بسبب التأخير في تلقي الخدمة أو سوء التعامل داخل بعض المستشفيات.
ويؤكد سكان محليون أن ما يجري في عدد من المستشفيات الخاصة بمحافظة إب يرقى إلى "تلاعب بالأرواح"، وأن بعض الإدارات تتعامل مع المريض كمصدر دخل لا كحالة إنسانية تحتاج إنقاذاً عاجلاً.
غياب الإشراف وتنامي الفساد الإداري
مختصون صحيون يرون أن غياب دور مكتب الصحة في المحافظة، وتداخل المصالح الإدارية والسلطوية، ساهم في تفشي مظاهر الفساد والإهمال في القطاع الصحي. وأشاروا إلى أن الوضع الصعب الحاصل في البلد وآثار الحرب الدائرة وتداعياتها الاقتصادية فاقمت الأزمة، ودفعت كثيراً من الكوادر الطبية المؤهلة إلى الهجرة أو ترك العمل.
دعوات للمساءلة والإصلاح
المواطنون يطالبون الجهات الرسمية والمنظمات الصحية الدولية بالتدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتفعيل الرقابة على أداء المستشفيات، ووضع آلية شفافة لتسعير الخدمات الطبية بما يتناسب مع أوضاع المواطنين.
كما دعا ناشطون حقوقيون إلى تشكيل لجان تحقيق مستقلة للنظر في شكاوى الإهمال والأخطاء الطبية والاستغلال المالي، مؤكدين أن “الحق في العلاج حق إنساني لا يجب أن يتحول إلى تجارة”.
ففي محافظة إب، لم تعد معاناة المرضى مجرد قضية خدماتية، بل تحولت إلى قضية كرامة وحق في الحياة. فبين مستشفيات حكومية تسيطر عليها المليشيا وتخصصها لأتباعها، وأخرى خاصة تستغل حاجة الناس تحت غطاء الفساد والتواطؤ، يضيع المريض في متاهة لا تنتهي من الألم والاستنزاف.
ويبقى السؤال الأهم: متى تعود المستشفيات إلى دورها الحقيقي كمنابر للشفاء لا كمصائد للمعاناة؟