في مأرب.. يبدو أن مطرقة الأمن السياسي لا تميز بين المسمار والخيط
مصطفى محمود
في مأرب، يبدو أن مطرقة الأمن السياسي لا تميز بين المسمار والخيط، فكل ما يقع تحت يدها يُعامل كتهديد وجودي للدولة، حتى لو كان مجرد شبهة جنائية. هذا السلوك لا يعكس فقط خللاً في فهم الوظيفة الأمنية، بل يكشف عن أزمة أعمق في تصور السلطة نفسها: سلطة ترى في كل اختلاف خطرًا، وفي كل مخالفة جنحة سياسية.
من خلال فيديو مصور للمواطن سلطان نبيل قاسم. أفاد أنه جرى اعتقاله من قبل جهاز الأمن السياسي في محافظة مأرب، على خلفية اتهامات تتعلق بشهادة الزور وانتحال صفة شرطي في البحث الجنائي، ومراسلة بنات.
هذه التهم، وبحسب القوانين النافذة، هي من صميم اختصاص البحث الجنائي التابع لوزارة الداخلية، ولا تدخل ضمن مهام جهاز الأمن السياسي الذي حدد القانون وظيفته الأساسية في حماية أمن الدولة ومواجهة التهديدات الماسة بالأمن القومي.
حين يُعتقل مواطن على خلفية تهم جنائية بحتة، من قبل جهاز وظيفته الأساسية هي حماية الأمن القومي، فإننا لا نواجه مجرد تجاوز إداري، بل انزياحًا خطيرًا في مفهوم الدولة القانونية. فالقانون، الذي يُفترض أن يكون مرجعية الجميع، يُختزل هنا في أداة قمع، تُستخدم خارج سياقها، وتُوظف في غير اختصاصها.
هذا التدخل يطرح سؤالًا جوهريًا: هل نحن أمام جهاز أمن أم أمام سلطة موازية تُعيد تشكيل حدود القانون وفقًا لمزاجها؟ وهل صمت السلطة المحلية هو حياد أم تواطؤ؟ في الحالتين، النتيجة واحدة: تقويض الثقة، وتآكل الشرعية.
إننا لا نطالب برد إداري، بل بموقف أخلاقي. فالرأي العام لا يراقب فقط ما يحدث، بل يختبر من خلاله معنى العدالة، وحدود السلطة، ومصير القانون. والسكوت في هذه اللحظة ليس خيارًا، بل إعلان ضمني عن انهيار المعايير.
*صفحته على الفيسبوك