حارس الفساد في تعز... حكاية محافظة تُنهب من الداخل

مصطفى المخلافي

منذ تسلمه منصب محافظ تعز في أواخر عام 2018، بدا نبيل شمسان كأنه رجل جاء محملاً بخطة طوارئ لإنقاذ المحافظة من ركام الحرب والانهيار الإداري والمالي، لكن بمرور السنوات تكشف المشهد شيئاً فشيئاً، وظهرت تعز لا كما وعد، بل مدينة تتهاوى من الداخل، خدماتها منهارة، إدارتها مشلولة، ومواردها تُستنزف في مشاريع وهمية أو تتحول إلى مكاسب شخصية، وفقاً لما تشير إليه عدة تقارير وتحقيقات ميدانية مستقلة.

ففي الوقت الذي كان فيه المواطن في تعز يبحث عن ماء نظيف وكهرباء لا تغيب أسبوعاً كاملًا، كان المحافظ يُحصي مداخيل ضخمة تصل إلى مئات الملايين من الريالات شهرياً، فيما تؤكد مصادر محلية أن نحو مئة مليون ريال يمني كانت تُمنح له كنفقات تشغيلية، تضاف إليها أكثر من مئتي مليون ريال من إيرادات المحافظة، لكن أين تذهب هذه الأموال؟ هذا السؤال لم يجد له جواباً في مشاريع ملموسة، بل في وثائق مسربة تشير إلى وجهة واحدة: حسابات المحافظ ومحيطه.

وكانت الفضيحة التي فجرت الغضب هي تلك المتعلقة بإنفاق 163 مليون ريال على تأثيث (استراحة المجلية) وهي إحدى ممتلكات المحافظ في تعز، مبلغ كهذا يكفي لبناء مدارس ومستشفيات، لكنه ذهب إلى أثاث فاخر، بينما تعيش مؤسسات الدولة بلا ورق طباعة، ويعاني موظفو المحافظة من رواتب هزيلة لا تتجاوز عشرين ألف ريال، وبينما عجزت تعز عن دفع فواتير نظافتها، كانت ممتلكات شمسان تتوسّع خارج البلاد، شقق في عمّان والقاهرة، وأخرى لم يُكشف عنها بعد، فضلًا عن منزل ضخم يُبنى على تلة مطلة على مديرية التربة، وهي منطقة ريفية تعاني من الإهمال منذ سنوات، كل ذلك كان يتم في الوقت الذي يعيش فيه الموظفون على الدين، والمواطنون على الكفاف.

المشكلة لم تكن فقط في الأموال، الأخطر كان ما جرى على مستوى الإدارة، حيث تم تحويل جهاز المحافظة إلى دائرة محصورة بالمقربين، يُكافأ فيها من يطيع، ويُقصى من ينتقد، فيما ظهرت خصومات غير قانونية على رواتب الموظفين تحت ذريعة دعم الخزينة، في الوقت الذي كانت تُمنح فيه مكافآت ضخمة لمساعدي المحافظ وبعض من تم توظيفهم لمجرد الولاء الشخصي، دون أي صفة وظيفية حقيقية، وكان لافتاً أن المحافظ رفض مراراً تفكيك مراكز القوى الأمنية التي تشكلت حوله، ما تسبب في تمردات موضعية وتفكك القرار الأمني في أكثر من منطقة داخل تعز.

ومع تصاعد الغضب بدأت الأصوات الرافضة تعلو داخل تعز، منذ العام 2021 خرجت تظاهرات ووقفات احتجاجية، وصدرت بيانات من بعض القوى المستفيدة من تدهور الوضع في تعز أبرزها جماعة حزب الإصلاح، تساند الرجل على استحياء وطرف آخر داخل الجماعة يطالب بإقالته، في لعبة عودتنا عليها الجماعة لتبادل الأدوار واللعب على المتناقضات لتسيير شؤون مصالحهم الشخصية، ومع تزايد الخلافات حول شخص المحافظ رفض بعض مديري المكاتب التنفيذية قراراته علناً، بل وصل الأمر إلى تدخل المجلس الرئاسي في أكثر من مرة لدعم قراراته المتعلقة بإعادة تشكيل المجالس المحلية التي حاول استخدامها لتوسيع نفوذه.

لقد تحولت تعز، التي كانت تُعرف بمدينة الثقافة والمدنية، إلى نموذج للانهيار المؤسسي المغطى بواجهة مسؤول رسمي، فيما تحول نبيل شمسان إلى وجه لمرحلة لم تُنجز شيئاً، سوى ترسيخ صورة المحافظ الذي يحول المنصب إلى شركة خاصة، والإدارة إلى وسيلة لتحصيل الثروة، وفي حين تراكمت على المدينة ملفات الكهرباء المتقطعة، ومياه الشرب الملوثة، والطرق المحطمة، كان هو يبني لنفسه ما يشبه الدولة المصغرة داخل الدولة.

ما يحدث في تعز لا يمكن اعتباره حالة فساد فردي، بل هو نمط من الإدارة قائم على تقويض مؤسسات الدولة لصالح حسابات خاصة، ولإخراج تعز من هذا النفق المظلم، لا بد من اتخاذ خطوات حاسمة تبدأ بفتح تحقيق شامل في كل ما جرى منذ 2018، وتعيين قيادة محلية جديدة نزيهة لا ترتبط بأي حزب أو جهة، وإعادة هيكلة الإيرادات وربطها بمنظومة شفافة وواضحة، تُشرف عليها لجان مدنية ورقابية.

وإذا كان السكوت عن الفساد في بعض المناطق يُفسر بالضعف، فإن السكوت في تعز يعني الموافقة عليه، بل وتغذيته، وفي وقت تتآكل فيه الدولة من الداخل، يُصبح كشف الفساد ومحاسبة المسؤولين أولوية لا تقل أهمية عن وقف الحرب، ولذلك ومن وجهة نظري أجدتها معركة مختلفة لا تقل شراسة عن معركة البنادق، فالحرب التي يخوضها المواطن ضد سلطة تنهب خبزه وماءه وأمل أطفاله، هي حرب لا تقبل الحياد.

ختاماً:

بلا شك أن نقد الفاسد لا يقل ضرورة عن نقد المتواطئ، ولا يقل مسؤولية عن نقد الرئاسي الراعي الرسمي لكل هذه الأدوات، وإن كان الرئاسي غائباً عن الساحة السياسية في تعز، فإن مواجهة الفساد طهارة للكرامة، وبداية ضرورية لاستعادة مدينة تستحق أن تُنقذ لا أن تُستغل.