أسرار القاع يكشف عنها مشروع مسح لمجمل محيطات الأرض

لقد أصبحنا أقل جهلا بما يتعلق بكوكب الأرض. تقول المبادرة، التي تسعى إلى مسح قاع المحيط ورسم خارطة كاملة للتضاريس في محيطات العالم، إن خمس هذه المهمة قد اكتمل الآن.

وعندما أُطلق مشروع "نيبون فاونديشين جي إي بي سي أو سيبيد 2030" في عام 2017، كان 6 في المئة فقط من قاع المحيط في العالم قد مسح وفق ما يُمكن تسميتها بالمعايير الحديثة.

وتبلغ المساحة التي أُنجز مسحها الآن 19 في المئة، بعد أن كانت النسبة 15 في المئة فقط في العام الماضي.

وتم إدخال نحو 14.5 مليون كيلومتر مربع من بيانات قياس الأعماق الجديدة في شبكة غيبكو "GEBCO" في عام 2019، وهي مساحة تعادل ضعف مساحة أستراليا تقريبا.

المناطق السوداء تؤشر المناطق التي تحتاج إلى مسح وفق المعايير العلمية من قاع المحيط
المناطق السوداء تؤشر المناطق التي تحتاج إلى مسح وفق المعايير العلمية من قاع المحيط

وعلى الرغم من ذلك مازالت هناك حاجة إلى رسم خرائط بدرجة مقبولة لمساحة كبيرة من الكوكب.

وقال مدير المشروع جيمي مكمايكل فيليبس لبي بي سي نيوز: "اليوم نقف عند مستوى 19 في المئة وهذا يعني أن لدينا 81 في المئة أخرى من المحيطات مازال يتعين مسحها، وما زال يتعين رسمها. هذه مساحة تعادل ضعف حجم كوكب المريخ ويتعين علينا العمل عليها في العقد القادم".

وتوضح الخريطة في أعلى هذه الصفحة التحدي الذي يواجه شبكة "غيبكو" في السنوات القادمة.

ويمثل اللون الأسود المناطق التي لم نحصل فيها بعد على قياسات صدى مباشرة لشكل قاع المحيط. وتتباين درجات اللون الأزرق مع عمق المياه (الأعمق أرجواني، والمياه الضحلة أزرق فاتح).

وليس صحيحا القول إنه ليس لدينا أي فكرة عما يوجد في المناطق السوداء، لقد علمتنا الأقمار الصناعية في الواقع الكثير. بعض المركبات الفضائية تحمل أدوات تحديد الارتفاع التي يمكن أن تستنتج تضاريس قاع البحر من الطريقة التي تنشر بها جاذبيتها على سطح الماء من فوقها، ولكن أقصى دقة مسح تقدمها هذه الطريقة تعادل المسح من مسافة تزيد عن كيلومتر واحد، وتسعى "سيبد 2030" للحصول على دقة من ارتفاع 100 متر على الأقل في كل مكان.

وهناك حاجة إلى رسم خرائط لقاع البحر لمجموعة من الأسباب:

فهي ضرورية للملاحة، وبطبيعة الحال لوضع القابلوات (اسلاك الطاقة والاتصالات) وخطوط الأنابيب تحت الماء.

كما أنها مهمة لإدارة مصائد الأسماك والمحافظة عليها، لأن مناطق تركز الصيد تميل إلى التجمع حول الجبال تحت الماء، فكل جبل بحري هو نقطة استقطاب للتنوع البيولوجي.

بالإضافة إلى ذلك، تؤثر وعورة قاع البحر على سلوك التيارات المائية في المحيط وحركة اختلاط الماء بطريقة عمودية.

وهذه معلومات مطلوبة لتحسين النماذج التي تتنبأ بتغير المناخ في المستقبل، لأن المحيطات هي التي تلعب دورا حاسما في تحريك الحرارة حول الكوكب. وإذا كنت تريد أن تفهم بدقة كيف سترتفع مستويات سطح البحر في أجزاء مختلفة من العالم فلا بد من وجود خرائط جيدة لقاع المحيط.

ولعل الكثير من البيانات التي حصلت عليها شبكة "غيبكو" مؤخرا كانت موجودة لبعض الوقت ولكن "على الرف" خارج نطاق الاستخدام العام. وقد قامت الشركات والمؤسسات والحكومات التي كانت تحتفظ بهذه المعلومات بنشرها مؤخرا، وربما لا يزال هناك الكثير من البيانات والمصادر المخفية لم ينشر بعد.

ويمكن الحصول على بيانات من مصادر أخرى، وتلعب السفن دورا في هذا الصدد عبر المعلومات التي تجمعها؛ فالسفن الكبيرة تسجل بشكل روتيني عبر معداتها التي تعتمد على صدى الصوت لمسح قاع البحر أمامها وهي تمخره. وحتى السفن الصغيرة مثل قوارب الصيد واليخوت يمكنها أن تلعب دورا أيضا من خلال ربط مسجلات البيانات بمعدات السونار والملاحة البحرية الخاصة بها.

بالنسبة للأقمار الاصطناعية يعكس سطح البحر شكل القاع
بالنسبة للأقمار الاصطناعية يعكس سطح البحر شكل القاع

وقد طور مشروع المسح البريطاني للمنطقة القطبية الجنوبية (BAS)، الذي يعمل في المناطق النائية من العالم، استراتيجية أثبتت فعالية كبيرة واعتمدت على مزج بيانات الطرق التي تسلكها السفن للحصول على تصور أشمل لعموم المنطقة التي تمر بها.

وأوضح الدكتور روب لارتر وهو عالم في مشروع المسح البريطاني للمنطقة القطبية الجنوبية قائلا: "في وقت مبكر جدا، اعتمدنا جمع البيانات عند المرور في الطريق إلى حيث كنا نذهب، وليس فقط في الموقع محل الاهتمام".

وأضاف قائلا: "من الأمثلة الجميلة على ذلك خريطة الأعماق الأخيرة لمنطقة دريك باساغ (بين أمريكا الجنوبية والمنطقة القطبية الجنوبية)، فقد تم الحصول على الكثير من المعلومات من خلال مشاريع بحثية مختلفة لأنها انتشرت وانتقلت ذهابا وإيابا إلى الأماكن التي كانوا يذهبون إليها".

وستكون التكنولوجيا الجديدة أساسية للغاية في جهود شبكة "غيبكو".

وتقوم أوشين إينفينيتي "Ocean Infinity"، وهي شركة بريطانية أمريكية بارزة تجري مسوحات لقاع البحر، حاليا ببناء أسطول من السفن المسيرة "روبوتات بحرية" من خلال شركة فرعية تدعى أرمادا. ويقول دان هوك، المدير التنفيذي لأرمادا، إن السفن الصغيرة، منخفضة التكلفة وبدون بحارة، قد تكون الطريقة الوحيدة لإغلاق بعض الفجوات في المواقع البعيدة في شبكة 2030.

وقال لبي بي سي نيوز: "عندما تنظر إلى رسم خرائط قاع البحر في المناطق الأقرب إلى الشاطئ، فإنك ترى العمل يجري بسرعة كبيرة سواء كان ذلك لإنشاء "حقول الرياح" (مناطق توضع فيها مراوح ضخمة لاستغلال الرياح في إنتاج الطاقة) أو مد الكابلات، وهناك الكثير من الناس الذين يريدون معرفة ماذا يوجد في القاع. ولكن عندما يتعلق الأمر بتلك المناطق النائية جدا من الكوكب، فإن الأمر في هذه الحالة يصبح قضية علمية فقط".

رسم يوضح السفن الصغيرة المسيرة أو الروبوتات البحرية
رسم يوضح السفن الصغيرة المسيرة أو الروبوتات البحرية

ويثق جيمي مكمايكل فيليبس في إمكانية تحقيق هدف مشروعه إذا وحد الجميع جهودهم.

ويقول: "أنا واثق من ذلك ولكن لإنجازه سنحتاج إلى شراكات. نحتاج إلى الحكومات، ونحتاج إلى الصناعة، ونحتاج إلى الأكاديميين، ونحتاج إلى المتبرعين، ونحتاج إلى المواطنين العلماء. سنحتاج إلى كل هؤلاء الأفراد للالتقاء إذا أردنا تقديم خريطة محيطية أساسية للغاية وضرورية للبشرية ".

وترمز أحرف GEBCO إلى الرسم البياني العام لقياسات المحيطات General Bathymetric Chart of the Oceans، وهي المنظمة الحكومية الدولية الوحيدة المكلفة برسم خريطة لقاع المحيط في العالم بأكمله. وتم الإعلان عن أحدث مشروعاتها "سيبد 2030" بالتزامن مع اليوم العالمي للهيدروغرافيا (علم توصيف المياه الذي يهتم بمسح المسطحات المائية كالبحار والبحيرات والأنهار وقياس أعماقها).