في الذكرى الـ9 لجريمة تفجير جامع دار الرئاسة.. إصرار إخواني حوثي على مواصلة تفتيت الدولة والنسيج المجتعي

تسع سنوات على ذكرى أكبر عملية إرهابية شهدها تاريخ اليمن المعاصر، كان قد شهدها يونيو/ جزيران من العام 2011م، في واحد من دور العبادة، اختار منفذوها أن يكون مسرحها في دار الرئاسة بالعاصمة اليمنية صنعاء، فيما قررت أن يكون الهدف هو الدولة بأكملها، على رأسهم رئيس البلاد علي عبدالله صالح، ورئيس مجلس الشورى الدكتور عبدالعزير عبدالغني، ورئيس مجلس الوزراء علي محمد مجور، والعشرات من وزراء الحكومة وكبار قيادات الدولة، في عملية جسدت دموية المشروع ووحشية منفذيه.

لم تكن تلك الجريمة التي راح ضحيتها عشرات الشهداء على رأسهم الشهيد "الدكتور عبدالعزيز عبدالغني"، بالنسبة لجماعة اتخذت من الدين ستاراً لسلخ جلد ضحيتها، ومن دور العبادة مكاناً لجريمتها إلا عبارة عن "حادث عرضي" -هكذا ارتأته- واستغلت سلطتها بعد تسليمها من الرئيس السابق "صالح"، بموجب مبادرة قدمها الأشقاء في الخليج ضمنت مبدأ التداول السلمي للسطلة، وهو ما أزعجها- وظلَّت تعمل جاهدة على إجهاض تقديم "ملف الجريمة" ومحاسبة الجناة خوفا على لعنات عار عملتها متعارضة مع الأديان والشرائع السماوية والقوانين والأعراف الدولية والمحلية.

سياسة النفس الطويل التي امتاز بها "صالح" أوتيت ثمارها يوما بعد آخر، بالرغم من الضعط الحزبي والشعبي الذي تعرض له، لمواجهة الأطراف المعرقلة لاستكمال عملية التحقيق لدى النيابة والمحكمة المتخصصة، فهو يدرك أن المشروع هو تفجير الوضع عسكرياً، ليتسنى لحلفاء الداخل الذين يمثلون أذرعاً دولية، خلط العديد من الأوراق التي فشلوا مراراً في خلطها.

تحالف خفي

نجحت نار "صالح" الهادئة بإنضاج مشروع "التحالف الخفي بين جماعة الإخوان المسلمين في اليمن والحوثيين"، وفاحت رائحته حتى أقصى مكان، واتضحت الصورة لشباب ساحة 2011 بدرجة أساسية.

الأحداث المتلاحقة زادت من إيصال الخطوط المفقودة من الصورة لتكتمل، موضحة متانة العلاقة بين فرقاء العلن، حلفاء المشروع الواحد، وهنا وجدت قيادات الإخوان ومليشيا الحوثي أنه لم يعد هناك وقت لإكمال عرض مشاهد مسرحيتهما من خلف الستار، فما كان منهما إلا أن ظهرا متشابكي الأيدي على عتبة المشهد السياسي.

ففي 2 ديسمبر/ كانون الاول 2014م قام رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الإصلاح زيد الشامي، والأمين العام للحزب عبدالوهاب الآنسي، والناطق الرسمي للحزب ورئيس دائرته السياسية سعيد شمسان، وعدد من قيادات الحزب، بزيارة إلى صعدة واللقاء مع زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي.

وبالرغم من الشارع العربي قبل اليمني أصيب بصدمة كبيرة، ظهر "شمسان" في حديث للجزيرة نت، مؤكداً بأن "اللقاء مع الحوثيين سيفتح الباب لمستقبل يسوده التوافق والشراكة"، أن "اللقاء مع عبدالملك الحوثي كان إيجابياً".

وفي الأسبوع نفسه عُقد اجتماع ضم قيادات من الإخوان والحوثيين تم خلاله الاتفاق على استكمال المشروع المشترك بين الطرفين.

وفي مارس من العام 2019م طالبت القيادية في حزب الإصلاح توكل كرمان، من مقر إقامتها في تركيا، في تغريدة على موقع فيسبوك، بالتوحد على الأرض مع جماعة الحوثي ضد قوات التحالف العربي المشاركة في استعادة الدولة باليمن.

وفي أبريل من العام 2019م، ظهر القيادي في حزب الإصلاح، فرع تعز، غالب سلطان، إلى جوار يحيى بدر الدين الحوثي، شقيق مؤسس جماعة الحوثي ووزير التربية والتعليم في حكومة المليشيا الحوثية.

وفي أكتوبر 2019م، تم الإفراج عن 5 من المتهمين بتفجير مسجد دار الرئاسة، بعملية تبادل أسرى بين الحوثيين والقوات العسكرية في مدينة مأرب التابعة لحزب الإصلاح.

وأثارت العملية تساؤلات الكثيرين عن كيفية إبرام صفقة تبادل أسرى، مقابل متهمين بقضايا إرهاب لم يكونوا ذات يوم ضمن الأفراد المشاركة في الحرب الدائرة.

وذكرت مصادر إعلامية أن الصفقة التي تمت تضمنت الإفراج عن (19) عنصرا حوثيا مقابل الخمسة المتهمين بتفجير دار الرئاسة.

وتقول معلومات من بين أوساط مشاركين في أزمة 2011م التي شهدتها البلاد، إن علاقة الإخوان بالحوثيين ارتبطت في البدء منذ سنوات تشكيل أحزاب اللقاء المشترك، وتطورت إبان أزمة 2011، وكانت أبرز الأدوار فيها للقيادية الإخوانية توكل كرمان، والقيادي الحوثي علي العماد، الذي ربطته بكرمان صداقة متينة، وشغل مؤخرا لدى الحوثيين منصب رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.

مصادر مطابقة، أشارت إلى ان آفاق العلاقة بين الطرفين دخلت حيز الانفتاح من خلال إعطاء قيادات عسكرية كبيرة لدى التيارين ضوءاً أخضر لمختلف التدرجات القيادية المدنية والعسكرية، ارتأت ضرورة ذلك حتى وإن ساد بعضها التكشُّف، وبدأت العمل على تنفيذ وأد الدولة وكبار قياداتها حتى وإن تطلب ذلك سفك دماء، بعد أن عمل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، على تصفيد أبواب الفوضى كما كان قد حدث في بلدان أخرى مثل تونس وليبيا ومصر.

استمرار الصفقات

اللقاءات كثيرة بين التيارين والأكثر منها هي التصريحات التي طفت لقيادات كليهما إلى العلن، أبرزها التصريحات الأخيرة للقيادي الحوثي محمد البخيتي، حيث كشف من خلالها أن إيقاف التقدم في جبهة نهم نحو صنعاء كانت مخاضاً لولادة "هدنة" بين الطرفين، وهو ما كان قد كشفت عنه مصادر مطلعة أرجعت الاتفاق إلى تبادل مصالح واستثمارات لدى الطرفين في مناطق سيطرة كل منهما.

ووفقاً لمصادر عسكرية، تخلل علاقة "المشروع الواحد" ما بين الإخوان والحوثيين، صفقات كبيرة بينها تهريب أسلحة ومشتقات نفطية يقوم "الأول" بتسهيل عبورها من نقاطه الأمنية التي تمتد من منفذ "صرفت" و"شحن" في المهرة وحتى آخر النقاط الأمنية للقوات الحكومية على حدودي نهم ورداع.

وكانت قيادة قوات التحالف قد حصلت على وثائق تثبت تورط قيادات في القوات الحكومية تتبع جماعة الإخوان، قامت بتهريب أسلحة للحوثيين من مخازن ومعسكرات الجوف ومأرب، وبعد أن استشعر "الإخوان" لجأوا إلى طرق تهريب موازية تمثلت بانسحاب أفراد القوات الحكومية من مناطق المواجهات وتركها آليات ومعدات عسكرية وأسلحة وذخائر بكميات كبيرة.

وتواصل مليشيا الحوثي وجماعة الإخوان العمل على إعاقة تنفيذ مشروع الدولة لادراكهما بأنها أولى لبن نهايتهما، مكتفيا كل منهما بالحفاظ على الآخر في مناطق سيطرته، والعمل المشترك على مواصلة تفتيت الدولة والنسيج الاجتماعي حتى لا تتبقى أية ضمانات لالتحام الجسد المثخن بجراح ست سنوات من الحرب، بما في ذلك الجسد المؤتمري، الحزب الذي تم تأسيسه على يد الرئيس السابق الشهيد علي عبدالله صالح- طيب الله ثراه.