نهاية صادمة لاستراتيجية أردوغان في اللعب على التناقض بين واشنطن وموسكو

تتجه تركيا إلى خسارة صداقة الولايات المتحدة بسبب تمسكها بصفقة أس-400 الروسية. كما أنها تفشل بالتوازي في شراء ودّ روسيا من خلال هذه الصفقة، خاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتمسك بأن تتولى أنقرة تفكيك الجماعات الإسلامية المتشدّدة في إدلب مثلما ينصّ على ذلك اتفاق أستانة، وهو يضغط على نظيره التركي رجب طيب أردوغان ويضعه بين خيارين: تنفيذ الاتفاق أو الحسم العسكري التام.
 
وتقول أوساط تركية إن أردوغان فشل في مخادعة واشنطن وموسكو، وإن خططه للّعب على استثمار التناقضات بين العاصمتين لم تحقق ما يريده، وبدا الآن في وضع من يخسرهما معا، فلا روسيا أنقذته من قبضة أميركية شديدة ولا صفقة منظومة الصواريخ نجحت في تحييد روسيا بشأن الأدوار التركية شمال سوريا.
 
وتشير هذه الأوساط إلى أن التصعيد في تصريحات المسؤولين الأتراك بشأن التمسك بصفقة أس-400 لا تعكس حقيقة القلق في أنقرة من خسارة التحالف مع واشنطن وما تجلبه من تعقيدات على رأسها إضعاف العلاقة مع الناتو وتراجع حظوظ أنقرة في عضوية الاتحاد الأوروبي، فضلا عن زيادة العزلة وخسارة ثقة الغرب بعد خسارة ثقة دول شرق أوسطية وخاصة المزايا الكبرى التي تقدمها دول الخليج لاقتصاد تركي متراجع.
 
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الخميس، إن بلاده لن تتراجع عن قرار شراء أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية أس-400 وإنها ترفض أي إنذارات بشأن الأمر، وذلك ردا على تحذيرات واشنطن بخصوص الصفقة.
 
وكان جاويش أوغلو يردّ على سؤال بشأن رسالة حذر فيها القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي باتريك شاناهان تركيا من أنه سيجري سحبها من برنامج مقاتلات أف-35 ما لم تغير خططها الخاصة بتجميع منظومة أس-400.
 
ويتصاعد خلاف علني بين البلدين منذ أشهر بشأن شراء تركيا منظومة أس-400، فيما أصبح المصدر الرئيسي للتوتر بينهما، وهو تتويج لسلسة من الخلافات كان أبرزها احتجاز القس أندرو برونسون، الذي لم يتم إطلاق سراحه إلا بعد سلسلة من العقوبات الأميركية أفضت إلى تهاوي الليرة التركية وأحاطت الاقتصاد التركي بالشكوك والمخاوف بالنسبة للمستثمرين المحليين والأجانب.
 
ويقول محللون أتراك إن أردوغان يعيد إنتاج نفس الخطأ مع واشنطن باتخاذ منظومة الصواريخ الروسية كورقة مساومة تماما مثل ورقة القس برونسون، لافتين إلى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تضطر إلى عقوبات جديدة لإجبار أنقرة على التراجع عن صفقة الصواريخ الروسية، وأن استبعادها من برنامج مقاتلات أف-35 ليس إلا خطوة أولى.
 
وأرسل القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي باتريك شاناهان الأسبوع الماضي رسالة إلى نظيره التركي يحذر فيها من أنه سيجري استبعاد أنقرة من برنامج مقاتلات أف-35 ما لم تغيّر خططها الخاصة بتجميع منظومة أس-400.
 
وفي أول ردّ علني تركي على الرسالة، قال جاويش أوغلو إنه لا يمكن لأحد توجيه إنذارات لأنقرة.
 
وأضاف “لن تتراجع تركيا عن قراراتها بمثل هذه الرسائل.. اشترت تركيا أس-400 وستتسلمها وتنشرها (في أراضيها)”.
 
ومنظومة أس-400 غير متوافقة مع أنظمة حلف شمال الأطلسي وتقول واشنطن إنها قد تشكل تهديدا لمقاتلاتها أف-35، التي تخطط تركيا أيضا لشرائها. واقترحت أنقرة أن يشكل البلدان العضوان في الحلف مجموعة عمل لتقييم تأثير منظومة أس-400.
 
وقال الرئيس التركي، الأربعاء، إن بلاده أتمت الصفقة مع روسيا وإنها ستتسلم المنظومة في يوليو.
 
وفيما يتخوف الأتراك، وخاصة المستثمرين والشركات التركية من عقوبات أميركية جديدة، فإن هامش التراجع عن الصفقة مع روسيا لم يعد ممكنا، وأن أي مغامرة على هذا الطريق ستزيد من الورطة التركية في سوريا بوضعها وجها لوجه مع روسيا.
 
ولا تضع روسيا في اعتبارها الورطة التركية مع واشنطن في أزمة الصواريخ، وتفصل بشكل تام بين صفقة أس-400 وبين الوضع في إدلب وتضغط على أنقرة لتنفيذ تعهداتها في أستانة، وخاصة ما تعلق بتفكيك الجماعات الإسلامية المتشددة، وبينها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) التي توظفها تركيا كورقة لإبطاء الاتفاق ومناورة للمساومة مع الروس.