فورين بوليسي: لماذا تفضل طهران "الحوثيين" دون "حزب الله" للقيام بأعمالها القذرة؟

فورين بوليسي

هدد زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله بشن "حرب إقليمية" إذا ما تعرضت إيران لهجوم أمريكي، وسط تصاعد التوترات بين البلدين. ورغم أنه كان بياناً متوقعاً يعبر عن دعم حزب الله لطهران، الذراع الإقليمي الأقرب لإيران، بيد أن ما كان ملحوظاً هو ما أضافه حسن نصر الله بعد ذلك مباشرة - حين قال إنه "لا ينبغي لأحد أن يخشى التوترات المتصاعدة إلى هذا الحد"، وهذا بمثابة تحذير لواشنطن ومحاولة لتهدئة مخاوف مؤيدي الحزب في الداخل.

فتاريخياً، كان حزب الله أكثر مليشيات طهران فعالية وأقرب حليف، حيث كان متوقعاً منذ فترة طويلة، مشاركته في جميع حروب إيران. لكن الضغوط الداخلية في لبنان أصبحت تعقد تلك المشاركة. وبالتالي ستغير إيران سياستها الخارجية وفقاً لذلك.

ولذا، هناك عدد متزايد من الدلائل التي تفيد بأن طهران باتت تعتقد الآن بأن مليشيا الحوثيين في اليمن لابد أن تكون وكيلها الإقليمي المفضل، للقيام بأعمالها القذرة وفي المواجهة المتصاعدة مع الولايات المتحدة وحلفائها.

وفي منتصف شهر مايو، وبعد تسعة أيام من إرسال الولايات المتحدة مجموعة من حاملات الطائرات وقاذفات سلاح الجو إلى الخليج الفارسي، مبررة الخطوة بوجود تهديد وشيك من إيران، لم يكن حزب الله ولا المليشيات الشيعية في العراق هي التي ردت نيابة عن طهران، بل كان الحوثيون الذين اعترفوا فيما بعد بمهاجمة خط أنابيب سعودي، بأسلحة محمولة بالطائرات بدون طيار. كما أعلنوا مسؤوليتهم عن مهاجمة مستودع أسلحة سعودي في نجران، المدينة القريبة من الحدود مع اليمن.

وجاءت هذه الحوادث قبيل انتهاء مهلة الـ60 يوماً التي حددتها طهران لأوروبا، كي تتوصل إلى آلية بديلة تضمن قدرة إيران على بيع نفطها رغم العقوبات الأمريكية، والتي بدا لها أنها كانت موجهة كي تكون بمثابة تحذير بشأن جدية طهران: بحيث تحدث صخباً عالياً بما يكفي لأن يلاحظها خصومها، وبنفس الوقت لا تبلغ ذلك القدر الذي يكفي لاستدعاء ردة فعل فورية وإثباتية.

إن تحول اهتمام إيران من حزب الله إلى الحوثيين يجب ألا يشكل مفاجأة تامة. إذ إن طهران لطالما نظرت باهتمام لأي من مليشياتها المتحالفة معها، كي تنشط في ظروف معينة لنزاع معين. وفي المواجهة الحالية مع الغرب، يبدو أن تركيز إيران منصب على التلويح بجديتها وخطورتها، وعلى زيادة مخاطر الصراع بطرق من شأنها ردع خصومها. والهدف من ذلك هو ضمان القيام بأي عمل عسكري من شأنه أن يكون مؤلماً لأعداء إيران، لكنه في الوقت نفسه يكون واضحاً بأنه لا يرقى إلى درجة الحرب.

الحوثيون، الذين هم بالفعل في حالة حرب مع المملكة العربية السعودية بسبب دعم المملكة للرئيس عبدربه منصور هادي، يقومون بهذه المهمة بشكل جيد، من خلال توفير درجة أكبر من الإنكار لإيران. حيث شنت مليشيا الحوثيين هجمات ضد السعودية لفترة من الوقت. كما جاء التصعيد الحالي، في خضم وجود اتفاق سلام تدعمه الأمم المتحدة بين الأطراف المتحاربة، لكنه دعم مصالح إيران تماماً من خلال إظهار ضعف المملكة. كما أن توقيت الهجمات الحوثية يشير بقوة إلى أنها تمت "بناءً على طلب إيراني".

وقال سيد محمد ميراندي، وهو أكاديمي وسياسي إيراني أمريكي مقيم في طهران لمجلة "فورين بوليسي"، إنه لن يتفاجأ إذا قدم الحوثيون مساعدة لإيران، مضيفاً: "من المحتمل أن الحوثيين لم ترق لهم العقوبات المفروضة على إيران.. وأعتقد أن السعوديين والإماراتيين أضروا باقتصاد إيران، ولهذا ستستخدم كل وسائلها لإلحاق الأذى بهم".

ويقول مايكل نايتس، الزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن استخدام إيران للحوثيين كان "خياراً ذكياً" لأن أي انتقام ربما يحدث داخل اليمن وليس إيران. وقال إن الهدف من ذلك هو استهداف السعوديين، لأن مهاجمة المصالح الأمريكية من شأنها أن تقود إلى ردة فعل قاسية جداً.

وأضاف نايتس لمجلة "فورين بوليسي": "من الواضح أن إيران ستهدد المصالح السعودية"، متسائلاً: "إلى متى وإلى أي مدى ستستمر الولايات المتحدة تجاهل ذلك؟".

تتفهم إيران المخاطر المحدودة التي ينطوي عليها استخدام وكلائها، إذ إن توريط حزب الله في الصراع الحالي مع الولايات المتحدة، سيؤدي حتماً إلى توريط إسرائيل، ومن المؤكد أنه سيتسبب في حرب إقليمية أوسع، وهو احتمال يريد كل من إيران وحزب الله تجنبه.

وقالت مجموعة واسعة من المحللين السياسيين اللبنانيين - بمن في ذلك العديد من المقربين من حزب الله والعديد من منتقديها - لمجلة "فورين بوليسي"، إنه "في حين أن حزب الله قدم لإيران مقاتلين ملتزمين أيديولوجيا، وأشداء في الحرب، إلا أن طهرن كانت حكيمة في إبقائه بعيداً عن صراعها، حيث كان حزب الله ذا فائدة كبيرة لطهران.

وقال المحلل السياسي، سامي نادر إن "حزب الله ليس لديه ما يكفي من الدعم المحلي ليقاتل مباشرة من أجل إيران، ويعرض السلام الهش للبنان للخطر، مع مزيد من التداعيات المضعِفة على اقتصاده".

وأضاف: "اقتصادنا في وضع محفوف بالمخاطر (..) وإذا تسبب حزب الله بتفاقم الوضع من خلال التدخل في الصراع الأمريكي ـ الإيراني، فلن يقبله الشعب اللبناني".

من جانبه، قال غسان جواد، المحلل المعروف قربه من حزب الله، "إن هناك تفاهماً غير معلن بين الولايات المتحدة وإيران، وحزب الله، حول لبنان يقوم على مسألة استمراره كدولة فاعلة في منطقة مزقتها النزاعات".

وأضاف: "لا تريد الولايات المتحدة ولا إيران ولا حزب الله الفوضى في لبنان". مستدركاً بالقول: "لقد خططت إيران وحزب الله لاستخدام وكلاء آخرين في الوقت الحالي".

والسبب الرئيس الذي يُجبر حزب الله على بقائه بعيداً عن الوجهة هو عدم وجود استفزاز من إسرائيل. فقد ازدهر حزب الله كممثل سياسي في لبنان ليس فقط لأنه كان يُنظر إليه دائماً على أنه مقاومة فعالة لـ"لعدوان الإسرائيلي"، ولكن أيضاً لأن الجماعة قالت مرارا وتكرارا إن سبب وجودها دفاعي. وتحقيقاً لهذه الغاية، كان حزب الله يتعامل بحذر في تعامله مع إسرائيل منذ حربهم الأخيرة عام 2006.

ومن وجهة نظر إيران، لا ضرورة لحزب الله إلى حد كبير في الصراع الدائر ببطء مع واشنطن، ذلك لأن لديها بالفعل الحوثيين في اليمن، والمليشيات الشيعية في العراق دمى تحت تصرفها. ولن يلعب حزب الله دورا نشطا إلا إذا كانت هناك حرب شاملة بين الولايات المتحدة وإيران، أو إذا قررت الحكومة السورية الرد على إسرائيل بسبب احتلالها لمرتفعات الجولان، والقصف المنتظم للأصول الإيرانية على أراضيها. فحزب الله راسخ بعمق في جنوب سوريا بالمقاتلين والأسلحة.

وقال المحلل السياسي اللبناني، كامل وزني، "إن حزب الله لم يتخذ أي قرار بعد بتصعيد الوضع في سوريا".

وتعتمد الخطوة التالية لإيران على مدى تقدم الولايات المتحدة. فإيران تزداد يأساً مع استمرار تجفيف قنواتها لبيع النفط بفعل العقوبات الأمريكية. وفي حال صعدت الولايات المتحدة من ضغوطها الاقتصادية من خلال اعتراض ناقلات النفط الإيرانية مثلاً، أو فرض عقوبات على الشركات التي تشتري نفطها، فمن المرجح أن توسع طهران حينها من انتقامها عبر وكلائها، ليشمل ذلك المليشيات العراقية المتحالفة معها، والتي تتمتع بوضع جيد لضرب الأصول الأمريكية.

*مجلة "فورين بوليسي" الامريكية