الأنشطة الباليستية تثير نقمة الأوروبيين... وباريس تطلب من طهران وقفها فوراً

عادت مسألة البرامج الصاروخية الإيرانية لتفرض نفسها ملفا رئيسيا في العلاقات الفرنسية ــ الإيرانية ولتضاف إلى المسائل الخلافية المتراكمة بين باريس وطهران. وجاء الجدل الأخير الخاص بعد أن أعلنت إيران عزمها على إطلاق قمرين صناعيين «في الأسابيع القادمة» وفق تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني أول من أمس الأمر الذي فاقم من تعقيدات العلاقات المعقدة أصلا بين الطرفين والتي تمتد لتطال، بشكل عام، العلاقات الغربيةــ الإيرانية.
 
وأمس، عادت فرنسا لتحذير إيران ولتذكيرها بأن برنامجها الصاروخي ــ التسياري «لا يتوافق مع القرار الدولي رقم 2231 الصادر عن مجلس الأمن» في العام 2015.
 
وأضافت الناطقة باسم الخارجية أنييس فون دير مول ما حرفيته أن باريس «تدعو إيران إلى التوقّف فوراً عن تنفيذ جميع أنشطتها المتعلقة بالصواريخ التسيارية المعدّة لنقل الأسلحة النووية، بما في ذلك الصواريخ التي تستخدم التكنولوجيا التسيارية». وثمة قناعة فرنسية ــ أوروبية ـ أميركية مزدوجة قوامها أن تطوير البرامج الصاروخية ــ الباليستية «التسيارية» الإيرانية يخالف منطوق القرار الدولي المذكور الذي صدق على الاتفاق النووي المبرم في شهر يوليو (تموز) من العام 2015.
 
وجاء في الفقرة الخاصة ببرامج إيران الصاروخية ما يلي: «يدعو مجلس الأمن إيران إلى الامتناع عن أي نشاطات ذات علاقة بالصواريخ الباليستية المخصصة لنقل القنابل النووية بما في ذلك التجارب المستندة إلى تكنولوجيا الصواريخ الباليستية».
 
حقيقة الأمر أن التفسير الغربي للفقرة المذكورة يختلف جذريا عن التفسير الإيراني. فالغربيون الذين يرون في البرامج الصاروخية الإيرانية تهديدا لأمن المنطقة الشرق أوسطية وأمن أوروبا يعتبرون أن الفقرة المذكورة تحرم إيران من القيام بأي تجارب أو اللجوء إلى إطلاق صواريخ باليستية كما أنهم يشكون، استنادا لتجارب سابقة في أن هذه البرامج غرضها تمكين إيران من الحصول على الصواريخ القادرة على حمل القنابل النووية.
 
ويؤكد الغربيون أن التكنولوجيا المستخدمة لإطلاق الأقمار الصناعية هي نفسها المستخدمة للصواريخ العابرة للقارات والمصممة لأغراض حربية وتحديدا لنقل الشحنات النووية لمسافات بعيدة.
 
بالمقابل، فإن الرد الإيراني هو أن برنامجها الصاروخي «محض دفاعي وأن طهران لم تسع ولن تسعى للحصول على القنبلة النووية». وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي أمس ردا على موقف الخارجية الفرنسية إنه «يدعو فرنسا لعدم تكرار المزاعم غير المسؤولة والمغلوطة حول أنشطة إيران الصاروخية» وتابع أن «برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني دفاعي ولا ينتهك قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة». وبالتالي فإن «الظنون الغربية ليست في محلها» وفقا للإيرانيين. وخلاصتها أن «تجاربها الصاروخية أو إطلاقها للأقمار الصناعية بواسطة هذه الصواريخ لا تنتهك القرار 2231».
 
هذه المسألة ليست جديدة لكن حدتها زادت منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض قبل عامين وهي تشكل إضافة إلى النشاطات النووية الإيرانية لما بعد العام 2025 وسياسة طهران الإقليمية المزعزعة للاستقرار أحد أضلع مثلث الخلافات مع طهران.
 
ورغم التنديد الأوروبي بالبرامج الإيرانية الصاروخية والباليستية، إلا أن الطرفين الأميركي والأوروبي ليسا على الموجة نفسها. فقد هدد وزير الخارجية الأميركي طهران في الثالث من الشهر الجاري بقوله إن بلاده «لن تقف مكتوفة الأيدي بينما سياسات النظام الإيراني الهدامة تهدد الاستقرار والأمن الدوليين». وقبلها، في 12 الشهر الماضي، دعت الولايات المتحدة مجلس الأمن إلى فرض «عقوبات إضافية» على طهران بسبب تجاربها الصاروخية. وتجاوب الأوروبيون نسبيا مع واشنطن إذ أصدرت 8 دول «ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، بلجيكا، هولندا، بولندا، السويد وإيطاليا» في نيويورك بيانا مشتركا كررت فيه اعتبار الصواريخ الباليستية «انتهاكا للقرار الدولي» إضافة إلى «زيادة التوترات الإقليمية». لكن البيان لا يدعو لفراض عقوبات إضافية بل يدعو «لمناقشة هذه المسائل في إطار الحوار مع الأطراف المعنية».
 
وعبر فرنسوا دولاتر، المندوب الفرنسي لدى مجلس الأمن في اجتماعه بالتاريخ المذكور، عن المزاج الأوروبي العام الذي يعتبر من جهة وكما ورد في بيان لفرنسي ــ بريطاني، أن التجارب الصاروخية الإيرانية بأنها «استفزازية». ولكنه، من جهة أخرى، يشدد على أن «استراتيجية بعيدة المدى» في الشرق الأوسط «لا يمكن اختصارها بسياسة الضغوط والعقوبات وحدها» لكن يتعين أن تمر بـ«حوار صريح ومتشدد مع الإيرانيين حول المسائل التي تثير قلقنا».
 
هذه المواقف القديمة ــ الجديدة تستعيد المقاربة الفرنسية للملف الإيراني بمجمله والتي كانت السبب في التباعد بين باريس وواشنطن. وللتذكير، فإن باريس على لسان رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، اقترحت الاحتفاظ بالاتفاق النووي وفتح مفاوضات جديدة مع طهران حول المسائل الثلاث المذكورة سابقا التي ترى فيها العاصمتان مصدرا للقلق من إيران. لكن ترمب خرج من الاتفاق فيما باريس تريد المحافظة عليه لا بل الالتفاف على العقوبات التي فرضت على طهران من خلال «آلية» أوروبية من شأنها في حال رأت النور أن تمكن الشركات الأوروبية من الاستمرار في التعاطي مع إيران وتمكن الأخيرة من الاستمرار في بيع نفطها رغم العقوبات.
 
لكن أوروبا التي ما فتئت تفصل بين موقفها من الملف النووي وبين سياسات إيران الأخرى، تجد اليوم نفسها في وضع أكثر حرجا بسبب الاتهامات الموجهة لطهران بارتكاب أعمال إرهابية على الأراضي الأوروبية الأمر الذي دفع الأوروبيين، هذا الأسبوع، إلى فرض عقوبات على جهاز الاستخبارات الإيراني. وما يزيد من حراجة الموقف الأوروبي تطوير طهران لبرامجها الصاروخية ــ الباليستية وهو ما لم يعد الطرف الأوروبي قادرا على غض النظر عنه. من هنا، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: إلى متى ستبقى أوروبا متمسكة بممارسة الازدواجية السياسية في التعامل مع ملفين يبدو من الصعب الاستمرار في الفصل بينهما؟