هل أصبحت الطائرات بدون طيار قوة جوية إرهابية؟

ازداد القلق في الآونة الأخيرة من إمكانية قيام جماعات مقاتلة أو مهاجمين منفردين بتنفيذ هجمات إرهابية باستخدام طائرات بدون طيار، المعروفة باختصار (UAVs). وقد ازدادت المخاوف أكثر بعد أن حصل حدثان كبيران باستخدام هذه الطائرات: تحليق طائرتين محملتين بمتفجرات في كراكاس خلال خطاب الرئيس نيكولاس مادورور أمام الحرس الوطني في 4 آب/أغسطس، وكذلك القبض على شخصين في كوبنهاغن بتهمة تهريب طائرات بدون طيار إلى تنظيم الدولة الإسلامية لاستخدامها في ساحات المعارك.
 
في الواقع، تمتاز الطائرات بدون طيار بقوة واضحة في ساحات القتال، ولديها امتيازات لا تتوفر في وسائل قتالية أخرى كثيرة. تستطيع هذه الطائرات الطيران بدون إنسان، ويجري التحكم بها عن بعد. وعلى عكس الصواريخ والقذائف، تستطيع القيام بعمليات هبوط مصورة وخاضعة للسيطرة، ويمكنها القيام برحلات جوية متكررة.
 
وبعد أن جرى تخصيص هذه التكنولوجيا للقوات المسلحة النظامية التابعة للدول من أجل تنفيذ عمليات عسكرية ضد الإرهابيين، أصبح اليوم بإمكان الشركات المدنية والأفراد الوصول إليها بكل يسر وسهولة، دون أي عوائق تذكر.
 
ولذلك، ليس من المستغرب أن يستخدمها الإرهابيون والمتمردون في هجماتهم، لكن الأخطر من ذلك هو قدرة هذه المجموعات على إجراء عمليات تعديل وابتكار عليها. وقد انجذبت الجهات المقاتلة غير الحكومية نحو هذه الطائرات للأسباب ذاتها التي جذبت الدول إليها: اعتبارها وسيلة غير مكلفة لتحقيق أهداف كبيرة، تشمل مهاجمة أهداف محددة دون المخاطرة بعناصر قتالية بشرية. وكما قيل مؤخرًا، “الطائرات بدون طيار أضفت طابع الديمقراطية على الحروب؛ بمعنى أنها المرة الأولى في التاريخ التي تمتلك فيها جهات غير حكومية قوات جوية خاصة بها”.
 
تُعتبر الطائرات بدون طيار صغيرة الحجم أفضل من نظيرتها الكبيرة لأسباب عدة؛ أهمها التكلفة المادية، إذ يصل ثمن الطائرة الأمريكية غير المأهولة من طراز (MQ-9A Reaper) إلى 16 مليار دولار، وهذا يفوق قدرات المجموعات الإرهابية المالية. وحتى بالنسبة للمنظمات الغنية ماليًا، مثل تنظيم داعش قبل سقوط خلافته، فقد فضل عناصره طائرات رخيصة قابلة للاستخدام المبتكر والتعديل والتحسين تقنيًا، فضلًا عن سهولة الحصول عليها. كما أن الطائرات الكبيرة قد لا تشكل تهديدات إستراتيجية على القوات المسلحة التابعة للدول القوية نظرًا لحجمها المرصود، على عكس الطائرات الصغيرة.
 
وعلى المستوى التكتيكي، تشكل الطائرات بدون طيار تهديدًا خطيرًا على القوات البرية والمدنيين مقابل تكاليف مادية منخفضة جدًا، دون إمكانية رصدها عبر أجهزة الرادار.
 
في أكتوبر/تشرين الأول 2016، أجريت دراسة هامة حول استخدام الطائرات بدون طيار من قبل المنظمات الإرهابية، استطاعت التعرف على 4 مجموعات مسلحة تمتلك “برامج” متكاملة: حزب الله، وحماس، وجبهة فتح الشام، وكذلك تنظيم داعش.
 
تجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعات توصف على أنها “إسلامية”، إلا أنها بالتأكيد تحمل توجهات وأهدافًا أيديولوجية مختلفة.
 
استفاد حزب الله من المساعدات الإيرانية المباشرة، بينما استغلت حماس الفرصة التي وفرتها هذه التكنولوجيا. أما تنظيم الدولة الإسلامية، فقد طور برنامجه بسرعة مثيرة خلال عامي 2014 – 2015. في سوريا والعراق، استخدمت منظمة أبو بكر البغدادي طائرات بدون طيار متاحة تجاريًا، لكنها أجرت عليها تعديلات عسكرية. وقام تنظيم داعش بدمج تكنولوجيا مبتكرة وبرمجيات تجارية متاحة في السوق، وكذلك مكونات منخفضة التكاليف، لإجراء تعديلات على هذه الطائرات.
 
في بادئ الأمر، استخدم داعش طائراته من أجل أغراض المراقبة والدعاية، ثم وسع استخدامها لتشمل ضرب أهداف عسكرية. في خريف 2016، تمكنت المنظمة من تسليح طائراتها من خلال تحميلها بمتفجرات، تعمل على إفراغ حمولتها فور اقترابها من الهدف. في أكتوبر/تشرين الأول 2016، نفذ تنظيم داعش أول حالة استهداف مؤكدة، قُتل فيها اثنان من مقاتلي البشمركة الكردية، وجُرح اثنان آخران من القوات الفرنسية الخاصة. وقد تكشفت المزيد من تفاصيل برنامج داعش عندما عُثر على وثائق في الموصل عام 2016، حول المواد والمكونات المستخدمة، ما يؤكد عزم التنظيم على إضفاء الطابع المؤسسي على برنامج مركزي لتسليح الطائرات بدون طيار.
 
يمكن كذلك استخدام هذه التقنية من قبل أفراد خارج مسارح الحروب. ففي الولايات المتحدة، أحبطت السلطات مؤامرة داخل أراضيها عام 2011، أراد خلالها أحد المتعاطفين مع الجهاديين، رضوان فردوس، تنفيذ هجوم على البنتاغون ومبنى الكابيتول باستخدام طائرة بدون طيار. وما يجعل ذلك سهلًا على الأفراد هو إمكانية شرائها بشكل قانوني، أو شرائها من السوق السوداء، أو حتى بنائها من الصفر.
 
يمكن القول إن الطائرات بدون طيار أخطر من السيارات المخففة، نظرًا لقدرتها على التغلب على أي حواجز أو عوائق، دون الاضطرار إلى التضحية بمقاتلين مسلحين. وفي الهواء، تستطيع هذه الطائرات الدخول في مجال جوي محظور وتنفيذ هجمات على طائرات مقاتلة أو مروحية. يمكن كذلك استخدامها كآلية لنقل مواد متفجرة وتسليم الأسلحة الكيماوية لأطراف شريرة.
 
علاوة على ذلك، استخدمت المجموعات المسلحة هذه الطائرات من أجل أغراض استخبارية، مثل جمع المعلومات، وتنفيذ نشاطات الاستطلاع، باستخدام كاميرات وأجهزة استشعار ذات فعالية عالية وخطورة أقل.
 
إن ما يزيد من مصاعب مواجهة هذا الخطر هو انتشار هذه التكنولوجيا تجاريًا على نطاق واسع، لا سيما في المناطق الحضرية. وبرغم ذلك، لم تشكل هذه التكنولوجيا خطرًا كبيرًا خارج مناطق النزاعات، باستثناء ما تحمله من تأثيرات نفسية. ولكن، نظرًا لمحاولة اغتيال الرئيس مارودو عبر هذه التكنولوجيا، قد يكون الواضع مختلفًا جدًا في المستقبل القريب.
 
المصدر: مجلة “عين أوروبية على التطرف”، بقلم أستاذ العلوم السياسية في جامعة بافيا الإيطالية، فرانشيسكو ماروني.
 
*كيو بوست