في اليمن.. لم تعد السماء مأوى الطيور المهاجرة..

رسم عليها جمجمة وعظمتان متقاطعتان وعبارة "قراصنة جو أفريقيا" هذه شارة الزي الموحدة لخبراء البنتاغون في إحدى قواعد عمليات طائرات بدون طيار في جيبوتي والتي تكافح القاعدة في الشرق الأوسط واليمن تحديدا، - يشترك ضباطا يمنيون في غرفة عملياتها حسب قول الرئيس هادي- تعتبر هذه القاعدة السرية الأكثر ازدحاماً بالطائرات بدون طيار ووصلت عملياتها القتالية إلى "1666" طلعة في يوليو الماضي فقط. هكذا وصف الصحفي الأمريكي " كريغ ويتلوك" في تقريره لصحيفة الواشنطن بوست عن القصة الكاملة لقاعدة "ليمونيير" لطائرات بدون طيار الأمريكية. وأشار الرئيس عبد ربه منصور هادي في كلمة سابقة إلى أن اتفاقية الحرب على الإرهاب هي جزء من تعاون بين اليمن والولايات المتحدة الأمريكية وتقوم بهذه المهمات منذ عام 2004م، بحسب مقتضيات الحاجة لتلك المهمات، مبينا أن ذلك ليس ترفا بل لأننا لا نملك التكنولوجيا المطلوبة لتنفيذ مثل هذه المهام العسكرية الدقيقة. إلا أن حدود هذه الشراكة وصل حد استباحة الحقوق السيادية للبلد دون أية مرجعية قانونية أو قضائية لمؤسسة الرئاسة المؤقتة في حضرة الصلاحيات الممنوحة لها في "المبادرة الخليجية" حسب محلل سياسي! " تلجأ الولايات المتحدة إلى هذه الغارات الجوية عندما يستحيل القبض على الإرهابيين، وتبقى دائما أفضل الخيارات بالنسبة لنا، استجواب المشتبه فيهم واحتجازهم ومحاكمتهم" هكذا جاء في خطاب رئيس الدولة الراعية لحقوق الإنسان في العالم "باراك أوباما" في معرض حديثة عن طائرات الموت في سماء اليمن. إلا أن أجيال طائرات "البريداتور" و "جلوبال هوك" تبدو أكثر أناقة في التصميم، وأكثر احترافية في التهام الأجساد المكتوب عليها الفناء احتراقا أو أشلاء خارج إطار القانون والقضاء! وجاء في تقرير مقدم إلى الأمم المتحدة عن هذه الطائرات التي تستبيح سماء اليمن أنه منذ الغارة الجوية الأولى في نوفمبر 2002 وحتى مايو 2013، تم تنفيذ ما بين 134 إلى 226 عملية عسكرية أمريكية في اليمن، شملت عمليات قصف بالطائرات أو طائرات بدون طيار أو إطلاق صواريخ من السفن الحربية المتمركزة في خليج عدن. ويقدر عدد الوفيات الناجمة عن هذه الاغتيالات المستهدفة بما يقرب من 1150 شخصاً بين عامي 2002 ونيسان 2013. من جهة أخرى نفذ تنظيم القاعدة في اليمن نحو 73 عملية، كان أبرزها استهداف سياح بريطانيين واستراليين في أبين في ديسمبر العام 1998، ثم تفجير المدمرة كول التي أودت بحياة 17 بحاراً أمريكياً، وكذا تفجير ناقلة النفط الفرنسية ليمبورج قبالة شواطئ حضرموت شرق البلاد في نوفمبر 2002. وفي مطلع عام 2009 أعلن تنظيم القاعدة بجناحيه اليمني والسعودي عن عملية دمج في إطار تنظيم واحد أطلق عليه "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب". وزاد نشاط تنظيم القاعدة في اليمن بشكل ملحوظ عقب أزمة 2011، وكثف من عملياته العسكرية ضد الجيش اليمنى، إضافة إلى سيطرته على بعض المناطق كان منها أبين وزنجبار في مايو الماضي، وآخرها إعلان التنظيم عن قيام إمارة إسلامية في محافظة شبوة قبل استعادتها من قبل الجيش. وفيما كان اليمنيون على موعد آخر مع الفجيعة صباح الجمعة الماضية كان الموت يلتهم أرواح ما يزيد على 56 جنديا في هجوم موغل في الدموية لتنظيم القاعدة على قوات الأمن الخاصة والجيش بمحافظة شبوة جنوب البلد، فيما أصيب عشرات الجنود بإصابات مختلفة. ويأتي هجوم القاعدة الأخير في ظل ظروف فاصلة يمر بها اليمن تتعلق بمخرجات الحوار الوطني منذ مارس الماضي، و بعدما يزيد على 4 اعتداءات متوالية على خطوط الكهرباء في الأسبوعين الماضيين. وكان هجوم الجمعة للقاعدة الثاني من نوعه على منشأة بلحاف النفطية ومرفأ الدباح، في حين أكد بيان وزارة الدفاع ان قوات الجيش والأمن قامت بإحباط عملية تفجيرية بسيارة مفخخة كانت تستهدف منطقة عين بامعبد ومنشأة بلحاف الغازية وفي بيانها أوضحت الوزارة أن "السيارة تم تدميرها بما فيها من عناصر إرهابية". وقالت قوات الأمن انها استطاعت مطلع الشهر أغسطس الماضي إحباط مخطط لتنظيم القاعدة للسيطرة على منشآت للنفط والغاز وعلى مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت شرقي اليمن. وقتل في الهجوم الذي تبنته القاعدة 5 من رجال الأمن. وتسعى القاعدة في محاولات حثيثة للسيطرة على منشأة بلحاف الغازية التي تعتبر من المنشآت الحيوية في اليمن، والتي وصلت كلفتها العامة إلى حوالي " 4.5" مليار دولار وتم افتتحها في عام 2009، وتقوم بتشغيلها إدارة مشتركة من شركة يمنية لتسييل الغاز وشركة توتال الفرنسية. كما أن مرفأ الدباح هو منشأة تصدير النفط الرئيسية في شرق اليمن. ويأتي نحو 90 في المائة من إيرادات اليمن من العملة الصعبة من النفط والغاز ويمثل نحو 70 في المائة من الصادرات. وصرح مصدر رفيع المستوى في الحكومة اليمنية عقب هجوم في يوم 8 من الشهر الماضي أن المؤامرة تضمنت اقتحام عشرات من متشددي القاعدة المتخفين في زي قوات الجيش المنشآت المستهدفة ليلة 27 رمضان والسيطرة عليها. وكشفت حيثيات المؤامرة أنها كانت تهدف إلى السيطرة على مرفأ الدباح لتصدير النفط في حضرموت ومنشأة بلحاف لتصدير الغاز وكذلك مدينة المكلا. فيما تم تعزيز قوات إضافية حول المنشآت المستهدفة ومنع أي شخص من الدخول حسب المصدر الحكومي. وكانت الأجهزة الأمنية قد ضبطت سيارتين مفخختين الاثنين الماضي أثناء محاولة عناصر يشتبه بانتمائها لتنظيم القاعدة العبور بهما من حاجزين عسكريين في مداخل مدينة رداع التابعة لمحافظة البيضاء. وسبق ذلك عملية تفجير يوم 27 الشهر الماضي لحافلة كانت تقل عددا من ضباط القوات الجوية بصنعاء أثناء توجههم لعملهم بعبوة ناسفة. وجاءت هذه الهجمات بعد مقتل الزعيم العسكري في القاعدة قايد الذهب في 30 أغسطس في هجوم بطائرة عسكرية من دون طيار على محافظة البيضاء وسط اليمن على بعد 170 كلم جنوب شرق صنعاء. وتم تأكيد مقتله من جانب تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب الذي توعد بمزيد من الهجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها ومصالحها في اليمن والمنطقة. و تظهر الخارطة المرفقة بوضوح تواجد القاعدة في اليمن وهي ذاتها خارطة آبار النفط والغاز وخطوط تصديرهما، وهي ذاتها خارطة مواقع أكثر من "90%" من ضربات طائرات "الدرونز" الأمريكية بدون طيار في اليمن. ويرى محللون سياسيون أن الإستراتيجية الجديدة للقاعدة باستهداف منشآت النفط والغاز يأتي ضمن محاولات التنظيم تعطيل مصالح أمريكا ومن يسميهم عملاء واشنطن في المنطقة.فيما يرى آخرون أن هناك توجيها غربيا "عن بعد" لمثل هذه العمليات بحيث تكون ذريعة للتدخل بحجة الحماية المباشرة للمصالح الحيوية ومنابع الطاقة بعد ان تكون هذه العمليات قدمت دليلا على فشل الحكومات المحلية على منع حدوث الاعتداءات الإرهابية للقاعدة. حسب دراسة حديثة عن مركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام بصنعاء. واختتمت الدراسة بالتأكيد على أن مؤتمر الحوار اليمني حينما يقر الفيدرالية في مثل ظروف اليمن الحالية الهشة فإنه يكون بذلك يقدم خدمة جليلة للقاعدة لم تكن تحلم بها وأهداها مقومات دويلة تنطلق من خلالها لزعزعة أمن العالم، مشددة على أن استعادة اليمن لهيبة الدولة وبسط سيادتها على كامل أراضيها مثلما هو شرط لازم يحدد مدى نجاح أو فشل أية خيارات مستقبلية في اليمن فهو أيضا شرط لازم لاستمرار الأمن والسلم الدوليين بسبب موقع اليمن الجيوسياسي وعالمية الجماعات الإرهابية التي لا تزال تنشط على أراضيه. ويدرك الكثير بأن ضعف الدولة والاضطرابات السياسية وهشاشة الأمن عوامل كافية لتوفير بيئة مناسبة لتوغل وتغلغل تنظيم القاعدة، وهي بالفعل متوفرة في اليمن الأمر الذي دفع بالأمريكان وبتواطؤ من الحكومة اليمنية للسيطرة على قاعدة العند ويبدو أنها ستكون معسكراً آخر دائم يماثل معسكر "ليمونيير" التابع للقوات الأمريكية في جيبوتي والتي تنطلق منه بدون طيار لتنفيذ عمليات ضد القاعدة في اليمن والقرن الافريقي. وكان قيادي في تنظيم القاعدة أطلق قبل سنوات تهديداً بمساع قاعدية للسيطرة على باب المندب، وتم التعامل مع هذا التهديد بلاكتراث لعدم امتلاك التنظيم القدرة على تنفيذ هذا التهديد، إلا أن حالة الانفلات التي شهدتها المحافظات الجنوبية بالتزامن مع الحركات الاحتجاجية التي انطلقت عام 2007م وأعمال التصعيد الذي قام به ما يسمى بالحراك الجنوبي، وانشغال الأجهزة الأمنية بمواجهة فعالياته وعناصره، تمكن التنظيم من التوغل في أبين وشبوة وضحرموت، وأعلن أبين إمارة إسلامية وسقطت في قبضة أنصار الشريعة (القاعدة)، ما أثار جملة من المخاوف وجعل المجتمع الدولي يعيد حساباته وقراءته الجدية للوضع اليمني وتهديدات القاعدة المتعلقة بالسيطرة على باب المندب، وإمكانية إحداث اضطرابات في الممر الدولي، وانعكاسات ذلك على اقتصاد وأمن العالم. ومن مؤشرات خطر التمدد القاعدي في اليمن انتشار التنظيم في المناطق والمحافظات التي يتسم سكانها بالطابع التقليدي القبلي العصبوي لأنه بذلك يضمن تجنيد القبيلة برمتها لصالح القاعدة، فالمعروف أن كل أفراد القبيلة ملزمون عرفياً بالدفاع عن أي فرد من أفرادها وعدم تسليمه لأية جهة والاستبسال في سبيل الذود عنه مهما كان نوع الجريمة التي ارتكبها، حتى وإن كانت أجهزة الدولة هي من يطالب به ومن ثم يكون التنظيم قد تمكن من تحويل كل أفراد هذه القبيلة أو تلك إلى مقاتلين معه ومن حيث لا يشعرون.